الملتقيات الثقـافية تراوح مكانها بين جفـاف الشكل وضوضـاء المضمـون

نجاحها مرتبط بطموح الوسط الثقافي .. مثقفون:

الملتقيات الثقـافية تراوح مكانها بين جفـاف الشكل وضوضـاء المضمـون



تبرز الملتقيات الثقافية كدلالة حيوية على الحراك الثقافي وقدرة النخبة الفكرية والثقافية على التواصل والتلاقح وإنتاج واقع أكثر تقدما في تطور حماية المجتمع وتحديد نظامه الاجتماعي بدقة تتناسب مع الطموح للرقي ومواكبة الحاضر ومتغيراته.
كثير من المثقفين يؤكدون أهمية هذه الملتقيات، ولكنهم يتوجسون ريبة في المنجز النهائي لها، ويرون التباسا عميقا بين كونها مظهرا شكليا للعمل الثقافي ورغبة حقيقية في تطوير أداء الوسط الثقافي برؤية واقعية في حجم الهم العام والتطلعات إلى دور ثقافي أكثر نضجا ووعيا بمطالب الوسط والمجتمع دون مزايدات أو رهانات على الحقيقة الثقافية التي ينبغي ألا تتشوه بالضجيج والضوضاء في مثل هذه المناسبات.
جسور للتواصل
دور الملتقيات كرافد إثراء للثقافة والإبداع يفتح عددا من الأسئلة المباشرة التي تبحث عن إجابات لدى النخبة، التي يقول فيها الشاعر حسن السبع: لسوف تختلف الإجابات وفقاً للون المنظار الذي ننظر من خلاله. كما ستختلف وفقا لقربنا أو بعدنا عن المنظور، ووفقا لقدرتنا على الرصد والمتابعة. وإذا كانت أمور الحياة نصوصا مفتوحة، وقابلة للقراءة فإن لكل واحد منا قراءته الخاصة، بل إن القراءة الواحدة قابلة للاختلاف تبعا لاختلاف الزمان والمكان والظروف وبقية المستجدات الأخرى. ومع ذلك، فإن كل نشاط رسمي أو شخصي يخدم الثقافة ويسهم في انتشارها هو مكسب للساحة الثقافية، بل انه مكسب حضاري، ورافد من روافد الوعي الاجتماعي، وشاهد على مدى تطور وازدهار الحياة المدنية.
ويذكر ان الملتقيات الثقافية تعد نقاط تجمع، توفر الفرص لمد جسور التواصل بين الأفراد للالتقاء والمشاركة فيما تعده هذه الملتقيات من برامج مختلفة. كما أنها تحقق شكلا من أشكال التَّماس الثقافي والإنساني، والعقول فيها تغتني من نتاج الأخرى. موضحا ان بعض الملتقيات قد ساهمت في التفاعل المبدع بين المشاركين.
مستوى الملتقيات
ويضيف السبع: يستمد كل ملتقى ثقافي نكهته ومذاقه من اهتمامات وتوجهات القائمين عليه. لذلك فإن هذه الملتقيات ليست سواء، ومن ثم فإن صعودها أو هبوطها، ونجاحها أو إخفاقها مرتبط بوعي القائمين عليها، المشكلة هي أن يأتي الحكم على أي نشاط ثقافي من النائين عن ذلك النشاط، ممن يعمل بمبدأ: «سمعت الناس يقولون شيئا فقلت». ومع ذلك، فإنه ينبغي قياس نشاطات هذه الملتقيات الثقافية بالدور الذي تلعبه في تشكيل وتعزيز ملكات الإبداع، وفي تنمية الوعي الفكري والجمالي وتشجيعها واهتمامها بالمواهب الواعدة في ميدان الشعر والقصة والكتابة الأدبية بشكل عام، وفي قدرتها على تحريك السجال بين مختلف التيارات والاتجاهات الفكرية والأدبية المختلفة.
كما يرتبط وجودها واستمرارها بمدى قدرتها على المواكبة وتلبية احتياجات الفرد المستفيد مما تقدمه من فعاليات.. وفي الوقت الذي تفشل فيه المؤسسة المشرفة على هذه الملتقيات عن أداء دورها بشكل فاعل ومقنع فإنها تقطع بشكل تلقائي علاقتها أو صلتها بالفرد الذي يصل إلى حالة من حالات السأم تؤدي إلى ضعف الارتباط بالمؤسسة الثقافية. مؤكدا أنه مع ذلك إلا ان الملتقيات ليست فوق النقد، فلكل نشاط إيجابياته وسلبياته، ووحده الذي لا يعمل لا يخطئ.
مقومات النجاح
غير أن القاص فاضل عمران يؤكد مباشرة إثراء الملتقيات للمشهد الثقافي بقوله: ليس ثمة شك في أن أي ملتقى ثقافي منظم سيثري الحركة الفكرية من حوله، وإن كان هنالك من نقاش فإنه يفترض أن يتمحور حول برامج وآلية هذه الملتقيات، لا عن الجدوى من تواجدها وديمومتها، فهي ضرورة حتمية لكل مجتمع واع.
ويضيف ان جميع ملتقياتنا المحلية ما زالت متواضعة، وأحد أسباب ذلك أنها تدار من قبل أدباء لا يشترط أن يتمتعوا بالحصافة الإدارية المطلوبة، فضلاً عن عدم تفرغهم الإداري، مما يؤثر أحيانا على جودة الطرح ومستوى التنظيم والاستمرار لمجرد الاستمرار، لذا فأداؤها لم يخلق أي «ضوضاء ثقافية» ولا يرقى لتحقيق «مكاسب إعلامية».
ويواصل عمران قوله: لن يتسنى لهذه الملتقيات النجاح ما لم توجد المقومات التي تجاري طموح الوسط الثقافي من حولها وتستقطبه سواء على مستوى جودة البرامج أو التنظيم أو استقطاب الحضور النخبوي والنوعي وحتى المظلة التي يعمل تحتها الملتقى والتي يفترض أن تكون محايدة ومحترمة من الجميع.
ويتابع: حتى نكون منصفين فلا بد من الاعتراف بأن مثقفي المنطقة الشرقية وأدباءها لم يتفاعلوا بشكل حيوي مع أي مشروع ثقافي حتى الآن، سواء عقد تحت مظلة رسمية أو أهلية، فهذا الوسط تلفه هالة سميكة من الخمول والتعالي تجعل من ينوي عقد ملتقى ثقافي يفكر ألف مرة.
شرط اللغة
بالنسبة للشاعر محمد الماجد، فإن الملتقى الثقافي عندما يستوفي شرط اللغة سيكون بالتأكيد حاضراً لأن يقوم بمهام أساسية في الانتقال بالعمل الثقافي من جفاف الشكل إلى الفعل الخلاق والمتجاوز، وفعل كهذا لا يمكن إلا أن يكون صادماً لمحيطه ومخلخلا لمفاهيمه وأعرافه المتوارثة.
ويقول الماجد: السؤال الذي سيبدو طبيعياً ضمن هذا السياق، هل يمكن لشرط اللغة أن يتحرك في مثل هذه البيئات دون أن ينال منه العطب أو التشويه ؟، وأيضاً دون أن يقع فريسة لسياقات نفعية تعمل على تدجينه ؟.
ويضيف: لا نستطيع هنا التحدث عن الملتقى الثقافي ومهامه دون تناول الموضوع وهو الثقافة، وليس من المسلّم به أن الحديث عن الثقافة بمفهومها العميق لن يضع الكثير من الملتقيات الثقافية في مهب أسئلة صعبة ومشككة.



نقلا عن جريده اليوم