مفهوم ودور المجتمع المدنى

المجتمع المدني يشير
الى المنظمات المنشأة ذاتيا التي تغطي المجال العام للمجتمع، ملتزمة بمجموعة قيم
مشتركة تؤلف منطلقا للافراد والجماعات في متابعة المصالح المتنوعة. ويتضمن هذا
التعريف ان المجتمع المدني يقوم على قواعد مؤسسة منظمة اجتماعيا، وهو يوفر ناديا
مستقرا للتعبير عن المصالح المختلفة والتوفيق بينها.

هناك من يعتبر
المجتمع المدني مجموعة مؤشرات وعناصر مترابطة ومتبلورة في علاقات اجتماعية
واقتصادية وسياسية وثقافية ناجمة عن تفاعل قوي ومكونات المجتمع التي تقوم اما على
اسس موروثة كمعايير القرابة (الاسرة، العشيرة، القبيلة) او على معايير الاصل
والعرق (السلالة والعنصر) او معايير بينية (المذهب، الطائفة) او اسس انجازية على
وفق المعايير والمهارات والتعليم والدخل والانتاج.. اما هم المؤشرات هي عد هذه
القوى من مقومات المجتمع المدني على وفق هذا التعريف، فهو درجة وعي اعضائها ووضوح
الاهداف والاساليب المستخدمة لبلورتها، فضلا عن التجانس والتضامن الداخلي وتبني
الوسائل السلمية لحل الصراعات والمتناقضات (الوعي بالديمقراطية) وان عملية بناء
المجتمع المدني ترتبط بخصوصيات بنيته السياسية والاجتماعية والثقافية. ومن الجدير
بالذكر ان مفهوم المجتمع المدني ليس مصطلحا علميا يمكن بالتالي تعريفه بصورة
منهجية، بل هو مجرد تعبير لغوي. حتى في هذه الحالة، يكتنفه الكثير من الغموض من
حيث شموليته وشروطه ومتطلباته واهدافه ووظائفه الشاملة وغير المحدودة. وبالنتيجة
فهو قابل لتفسيرات مختلفة حسب وجهة نظر الباحث وارتباطاته الفكرية. من جهة اخرى
فان كل مجتمع يمتلك قدرا من القيم والتقاليد بالعلاقة مع قيم المجتمع المدني
والديمقراطي التي يمكن تطويرها وتهذيبها باتجاه التحديث والمعاصرة.

والمسألة الثالثة هي
ان المجتمع المدني ليس قالبا جاهزا يمكن استيراده واقامته، بل انه جملة افكار وقيم
وممارسات قائمة في كل مجتمع حسب مرحلة تطوره، وهي تتطلب النهوض بها على وفق بنية
مؤسسية دستورية قانونية متوافقة مع ظروف المجتمع ليصار الى تطويرها بالتوافق مع
المسيرة الديمقراطية في سياق عملية ممتدة. والمسألة الرابعة ان المجتمع المدني ليس
حكرا على الدول، بل هو آلية يمكن ان تجد تطبيقاتها في الانظمة الاجتماعية
المختلفة، كل حسب ظروفه ومرحلة تطوره، ومستوى تطبيقاته المؤسسية. عليه فليس هناك
من مبرر لتجريد المجتمع المدني من مهماته الاقتصادية والتعامل معه من وجهة نظر
سياسة عارية فقط.

فحتى في الظروف
الاعتيادية لممارسات منظمات المجتمع المدني، فهي تغطي عدة جوانب اقتصادية منها على
سبيل المثال لا الحصر- مراقبة الاسعار، حماية المستهلك وتشجيع الانتاج الوطني
ومراقبة قوانين الضمان الاجتماعي والعمل على تطويرها، وبناء ونشر التعاونيات
الانتاجية والاستهلاكية، والعمل المتواصل من اجل تقليص فجوة الدخل – الثروة.

من هنا يمكن النظر
الى المجتمع المدني في مفهومه المعاصر ومواصفاته واهدافه بانه يعبر عن رسالة
اجتماعية من القيم والافكار والممارسات الحضارية التي اسهمت في البنية التحتية
للمسيرة الديمقراطية، ويقوم على مبادئ التطوعية، والاستقلال الذاتي، والمواطنة
الفعالة، والمشاركة العاملة على التوفيق بين المصالح الخاصة والمتباينة من اجل
الصالح العام.

ان المجتمع المدني
على وفق هذا التوصيف لا يعني كل افراد المجتمع من العناصر المدنية، بل ينحصر فقط
في العناصر الواعية والفعالة المنظمة من المواطنين... وينقسم الى جزءين اولهما:
المجتمع المدني المهني الذي يضم روابط ومنظمات لا تتعامل مع السياسة مباشرة، وتؤلف
الجزء الاكبث التصاقا مع مفهوم ووظائف المجتمع المدني وثانيهما: المجتمع
المدني السياسي الذي ينحصر في المنظمات السياسية الهادفة الى كسب السيطرة على
الحكومة، او الاسهام فيها، او ممارسة دور المعارضة، ولا تدخل في منظمات المجتمع
المدني تلك التي تقوم العضوية فيها على وفق اسس تقليدية عمودية على الرغم من ان
هذا لا يعني اهمالها او محاربتها، طالما تؤلف الاغلبية في المجتمعات التقليدية، بل
الاعتراف بها ورعايتها ونشر القيم والافكار والممارسات الحضارية بينها على طريق
تجسيدها وتطويرها للتحول تدريجيا من منظمات طاردة للقيم والافكار الحضارية الى
حاضنة لها، او متعايشة ومتكيفة معها على الاقل.